المقاومة الوطنيّة وأشكالها

المقاومة الوطنيّة وأشكالها

  • المقاومة الوطنيّة وأشكالها

اخرى قبل 3 سنة

المقاومة الوطنيّة وأشكالها

(دراسة قانونية)[1]

د.عادل عامر[2]

المقدمة

تعدّ حروب التّحرير الوطنيّة من أهمّ المحطّات التاريخية في حياة الشعوب والأمم والدّول التي شهدت احتلالات من قبل قوى أجنبية كما وتبقى محط اعتزازها وفخرها عبر تاريخها الوطني لما تمثله من نبل وسمو أهدافها وعدالة قضيتها وصدق وشجاعة رجالها وسخاء تضحياتها أينما كانت الدائرة الزمانية والمكانية التي شهدت هذه الحرب

لاسيما تلك الحروب التي كانت دائرة في ما تمّ تسميته في الأدب السياسي والقانوني بالحرب الباردة، كما أنّها قد استمرت في مراحل انتهاء هذه الحرب وبروز ما يمكن تسميته بالقطب الدّولي الواحد متمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية.

نجد في هذه المرحلة أنَّ نمطاً جديداً من الصّراع قيد التّبلور قد رافق التّغيير الحاصل على مستوى النّظام السّياسي الدّولي حيث برزت بسبب هذا التّغيير وبسبب عوامل أخرى تتعلق بمستوى القوّة في العلاقات الدّولية، مما دفع وحدات النّظام الدّولي إلى إدارة صراعاتها عبر أساليب غير عسكرية في حين لجأت الأطراف ذات القدرة الضعيفة في النّظام الدّولي إلى اعتماد استراتيجية الحروب غير المتماثلة لتقليص التّفاوت الحادّ في ميزان القوى للدّفاع عن حقوقها ومصالحها وسيادتها.

ولدى دراسة هذه النماذج الجديدة في الحروب في أفغانستان ولبنان وفلسطين والعراق والنتائج التي تمخضت عنها يمكن الاستنتاج أنَّ مفاهيم كالقوّة العسكريّة النّظامية والرَّدع النّووي التي سادت في الحروب السابقة لم تعد قوانين ومسَلَّمَات تصلح لإدارة الصّراع بين الدّول.

فهل انتقال حركات المقاومة من استراتيجية الهجوم لتحرير الأرض المحتلة إلى استراتيجية الدفاع عن نفسها وعما بحوزتها من مناطق نفوذ يدخل في سياق مفهوم ووظيفة المقاومة كحركة تحرر وطني؟ وهل إن المقاومة خرجت عن سياقها ومفهومها الأصلي وتحولت مجرد أداة لتحقيق مصالح حزبية أو أجندة خارجية ضيقة وبالتالي يجب وقفها كما يقول المنتقدون والذين وصل بهم الأمر لدرجة تجريمها؟ أم أن للمقاومة وظيفة ودور وطني وقومي وديني لمواجهة حالة الاستسلام والتطبيع وللحفاظ على إرادة الصمود والممانعة؟

ردود الفعل المؤيدة والمعارضة لسلوك المقاومة في قطاع غزة تستحضر موضوع المقاومة من حيث المفهوم ومن حيث الوظيفة والدور ويحتاج الأمر لتفكيك المصطلح بناء على الممارسة وليس مجرد تفكيك لغوي خالص.

في سياق التعريف اللغوي والاصطلاحي فإن المقاومة أو حركة المقاومة تعني حركة شعبية لمقاومة الاحتلال تهدف للحرية والاستقلال وتندرج في الفقه والشرعية الدولية في سياق حق الشعوب بتقرير مصيرها والدفاع عن نفسها، وفي السياق التاريخي لظهور مصطلح المقاومة

فإن كل جماعة حملت اسم المقاومة كانت حركة تحرر وطني في حالة اشتباك مع جيش الاحتلال، سواء سمينا هذه الحالة بالعمل الفدائي أو حرب التحرير الشعبية أو حرب العصابات والمغاوير أو العمل الجهادي.

هكذا كان الأمر بالنسبة لحركات التحرر في أوروبا في مواجهة الاحتلال النازي، أو حركات المقاومة في بلدان العالم الثالث ضد الاستعمار كجبهة التحرير الفيتنامية وجبهة التحرير الجزائرية، وحركة المقاومة اللبنانية عندما كانت "إسرائيل" تحتل مناطق في جنوب لبنان الخ.

نفس الأمر في فلسطين حيث ارتبط اسم المقاومة بداية بالعمل الفدائي أو الجهادي لتحرير فلسطين، وكل الأحزاب الفلسطينية حملت أسماء تدل على الربط ما بين المقاومة وتحرير فلسطين. فمنظمة التحرير الفلسطينية اسمها دال عليها كما أن ميثاقها الوطني،[3] أكد على أن هدف العمل الفدائي أو المقاومة المسلحة هو تحرير كل فلسطين. نفس الأمر ينطبق على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وجبهة التحرير العربية، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، الخ.

حتى الحركات الإسلاموية[4] كحماس والجهاد الإسلامي فإن مواثيقها تؤكد بأن هدفها تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

مفهوم "التدخل الإنساني"، الذي هو من المفاهيم التي باتت تشغل بال المهتمين بالقانون الدولي الإنساني وغيرهم، لماله من أثر كبير على مستقبل مفهوم السيادة الوطنية، حيث أصبح جليا أن بعض الدول الكبرى تستخدم هذا المفهوم أحيانا لتحقيق أهداف خاصة بها ليست بالضرورة تتعلق بحماية ضحايا العنف الذي تمارسه الدول، مما يوضح ضرورة السعي الي تقنين مفهوم التدخل وتقييد استخدامه حتى لا يكون سببا لانتهاك سيادة الدول،

حيث أصبح لزاما على الدول الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعددة، خاصة تلك المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني، وحقوق الأنسان، تجعل من التدخل مسألة مشروعة، وفقا لميثاق الأمم المتحدة في رأي الكثير من الفقهاء،

وذلك إذا ما انتهكت الدولة المعنية التزاماتها الدولية تلك، من خلال ارتكاب الجرائم التي تصنف ضمن الجرائم الأشد خطورة على الإنسانية، كما أن بعض الدول الكبرى تسعى الى استغلال مفهوم التدخل الانساني من أجل تحقيق أهداف خاصة لا علاقة لها بحماية السلم والأمن الدوليين.

وعلى هذا الأساس فإن أية جماعة تحمل السلاح ولا يكون هدفها تحرير أراضيها المحتلة ولا تعبر عن إرادة الجماهير الشعبية تسقط عنها صفة "حركة مقاومة".

بما يحمله المصطلح من رمزية بل وقدسية واحترام. لكن في نفس الوقت فإن مفهوم المقاومة لا يقتصر فقط على المقاومة المسلحة بل يمكن للمقاومة أن تأخذ أشكالاً أخرى لمواجهة الاحتلال أو تجمع بين أشكال متعددة كالمقاومة السلمية أو العصيان المدني أو المقاطعة أو المقاومة الثقافية والفكرية الخ، وذلك حسب خصوصية كل مجتمع وحسب موازين القوى وبما ترتأيه القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة.

بالإضافة إلى ما سبق فإن المقاومة لا تأخذ معناها الحقيقي إلا إذا كانت تعبر عن الإرادة الشعبية وتشتغل في إطار استراتيجية وطنية شاملة بحيث لا يجوز احتكار أو مصادرة الحق بالمقاومة من طرف حزب بعينه، كما سيكون من الخطورة داخل البلد الواحد أن تعلن جماعة أنها حركة مقاومة مسلحة وتمارسها بالفعل بينما بقية الأحزاب وغالبية الشعب لا توافقها الرأي،

كما سيكون من الخطورة ممارسة حزب بعينه للمقاومة المسلحة دون إذن أو على الأقل تنسيق من قيادة الشعب، سواء كانت حكومة كما هو الأمر في لبنان أو كانت سلطة وطنية وحكومة كما هو الأمر في فلسطين، والأدهى من ذلك أن يتحول سلاح المقاومة لأداة قمع وترهيب للشعب أو لمحاربة القوى والأحزاب الأخرى.

في الحالة الفلسطينية وفي قطاع غزة تحديداً لا يجوز أن تتبنى حركات المقاومة استراتيجية المقاومة الدفاعية أي أن مهمتها مقتصرة على مواجهة أي عدوان على قطاع غزة وكأن ما يجري من عدوان واحتلال شامل لكل فلسطين خارج عن صلاحيات حركات المقاومة!

ولأن هكذا قول يوحي بأن هدف "حماس" ومن يواليها كان منذ البداية "تحرير" قطاع غزة وإقامة دولة أو إمارة فيه، في هذه الحالة فقط يمكن للمقاومة أن تكون دفاعية ما دام تم انجاز الهدف!

وأخيرا فإن المطلوب التأكيد على الحق بمقاومة الاحتلال وممارسة هذا الحق في كل ربوع الوطن المحتل في إطار استراتيجية وطنية تضبط مفهوم المقاومة وشكلها ووظيفتها وخصوصاً أن كل المساعي الفلسطينية للتوصل لسلام عادل وصلت لطريق مسدود وتوقف المقاومة في هذه الحالة تعني الاستسلام لمشيئة الاحتلال أو الاعتراف بأن فلسطين ليست محتلة، مع العمل على تصويب الممارسة الخاطئة التي تزهق أرواح الشباب وتلحق الدمار في قطاع غزة دون أي مربح وطني

لا آنياً ولا مستقبلياً، كما يجب على "حماس" أن تتوقف عن محاولة مصادرتها لحق المقاومة أو توظيفها لأغراض ومصالح حزبية أو لخدمة أجندة غير وطنية، وعليها أن تتذكر أنها استنكرت ورفضت مطالب السلطة الوطنية في عهدي أبو عمار وأبو مازن بهدنة مؤقتة واعتبرت المقاومة حق مقدس وممارستها لا تخضع للمساومة، وأن أية هدنة مرفوضة لأنها تتعارض مع الحق بالمقاومة،[5] معتبرة الهدنة أوالتهدئة قبل زوال الاحتلال خيانة وطنية الخ.

أنّ القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعتبر المقاومة الفلسطينية "مقاومة شرعية يكفلها القانون".أنّ قرارات الأمم المتحدة، ومن بينها حق تقرير المصير المكفول للشعوب المحتلة، وحق الدفاع عن النفس والأرض، "تشرعن جميعها حق الفلسطينيين بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي".

وتُفيد بأنّ "المقاتل الشرعي"، وفق القانون الدولي، هو من يكون مجندًا ضمن قوات الدولة التابع لها، سواء أكان مقاتلاً نظاميًّا أو متطوعًا من أفراد المقاومة الشعبية المسلّحة"،

وبناءً عليه؛ فإنّه "يستحق المعاملة كأسير حرب إذا وقع في الأسر، وذلك وفق الاتفاقيات المنظمة والراعية لحقوق أسرى الحرب، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة

"أنّ "المقاتل غير الشرعي"، والذي لا يحظى بحماية القانون الدولي، هو المقاتل "المرتزق "،أو الجاسوس، لان "المقاومة الفلسطينية المسلحة، هي "عمل شرعي ومكفول وفق قرار حق تقرير المصير، وقرار حق الدفاع عن النفس والأرض والعرض، الصادريْن عن الأمم المتحدة".

إن القانون الدولي الإنساني ميز بين فئتين من المقاتلين، فئة منح أفرادها وصف المقاتلين الشرعيين وهم أفراد القوات المسلحة النظامية وكذلك أفراد القوات المسلحة شبه النظامية إذا توفرت فيها شروط معينة، هذا الوصف الذي يلحق بأفراد هذه الفئات سيسمح لهم بالتمتع بوضع قانوني خاص يتمثل في جملة من الحقوق والواجبات،

بينما الفئة المقاتلة الأخرى فقد جردها القانون الدولي الإنساني من الغطاء الشرعي نظراً لطبيعتها وكذلك طبيعة الأعمال القتالية التي تقوم بها بالإضافة إلى الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها كالمرتزقة والجواسيس وكذلك الإرهابيون

 

[1] أضفنا لللعنوان كلمة دراسة قانونية، وعبر بريد د.ابراهيم العربي أعلمنا المؤلف الكريم بتوزيع مادته كدراسة، مع التصرف.

[2] الدكتور عادل عامر دكتور القانون العام، ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب، وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان، وهو مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا، ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية، ومستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات، ونائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية، ونائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا، وعضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة،عضو منظمة التجارة الأوروبية،عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان،محاضر دولي في حقوق الانسان

 

[3] يذكر الكاتب أن ميثاق المنظمة تم تعديله وهذا نظريا صحيح ولكن فعليا اللجنة التي شكلت لاقرار التعديل لم تجتمع، فلم يتم التعديل فعليا-مركز الانطلاقة للدرسات

[4] هناك خلاف على مصطلح اسلامية واسلاموية والكاتب استخدم اسلامية ما يشي بنزع الاسلامية عن كل المسلمين ما لا نقبله ونفضل استخدام الاسلاموية ليؤتبط المصطلح بالحزبية-مركز الانطلاقة للدراسات

[5] على واقع الأرض تمارس "حماس" حماية الحدود مع الإسرائيلي منعا لأي عملية عسكرية ضده في تنسيق امني يومي على طول الشريط المحتل من غزة-مركز الانطلاقة للدراسات.

 

المادة كاملة مرفقة بي دي اف

--
‏تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة "قائمة التعبئة الفكرية" في مجموعات Google.
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل الإلكترونية منها، أرسل رسالة إلكترونية إلى fatahthinktank+unsubscribe@googlegroups.com.
لعرض هذه المناقشة على الويب، انتقل إلى https://groups.google.com/d/msgid/fatahthinktank/b1f95988-c13c-4b11-af51-fd4dc243b17bn%40googlegroups.com.

التعليقات على خبر: المقاومة الوطنيّة وأشكالها

حمل التطبيق الأن